من حيث ما تبدأ الحياة في إثراء مخيلاتنا وتكوين أفكارنا بالتجارب والتحولات المختلفة ، تجد هذه الاختلاجات عائقاً صلباً لرسم ملامحنا نحن في مجتمعنا الملطّخ بالغوغائية التربويّة والاجتماعية .
عند فضفضة الحقيقية ، نرى المدى القصير أو حتى المدى القاصِر الذي يحدّ من أبصار الأجيال الجديدة والذي ما زال يتضاءل حتى إلى أن يصل إلى أكنّة وغشاوة على طموح هذه الزهور اليانعة التي تُحرق بِأتون انحسار المسؤولية والقدرة والإرادة المستعر!
إن المجتمع الغارق في الطرب والسُّكر الاجتماعي والذي يعيش على سماع أصداء الأسماء تدوي بين كلمات المديح والثناء والذي يعيش على سليقة الإنسان قبل وصول الرسالات السماوية والذي يعيش على خارطة طريق محددة مقيدة لها بداية ونهاية مطروقتان ، وهو المجتمع ذو الأهداف السّفيفة والتافهة والمقتصر على طموحات هشّة والمتكئ على الجدران الواهية وهو المجتمع المُحتضِر والمجتمع الجحد القاحِل وهو المجتمع ذو الفكر المربّع والأحادي الاتجاه المفتقر إلى أهداف إنسانية والى الأفكار الحبالى بالرسائل السامية والى الأجيال المبدعة الخلاقة المرتقي إلى مصافي الشعوب المتحضرة وذلك ما حدا بالشاعر أن يقول : فتى لا يضم القلب همّات قلبه .... ولو ضمه قلب ما ضمه صدر .... وأيضا : فيحن ذلك لأرضه بتسفل ... ويحن ذلك لسمائه بتصعد .
وقال احدهم : القلوب جوالة ، فإما أن تدور حول العرش ، وإما أن تدور حول الحشّ .
ولما كان الضمير والمسؤولية والقدرة على إدراكهما محذوفة من سجل الأولويات مخلوطاً في انحسار الوعي الفردي ، هنا تتأتى أمراض جمّة خطيرة أولها هَوَس الطبقات الاجتماعية .. هذا الوباء الأبلَه المنتشر والذي يحث على استغلال الطاقات الفردية بهدف التسكّع على أرصفة الخيلاء والتلويح بقوائم أسماء الشخصيات ذوي المناصب الاجتماعية الرفيعة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . وهنا يـتأتى تحديد الخط الدرامي لمسألة التفكير الأحادي الاتجاه ، فمن هنا تنعدم المسؤولية والأمانة في العمل تنعدم ، والإخلاص والإتقان أيضا ، لان الهدف هو المنصب فقط وليس المسؤولية ، ناهيك عن مرض الـ "أنا " والذي ما زال يعمل على تحريك عجلة التشتت الاجتماعي والانزواء والعيش الفردي والانقسام اللامتناهي إلى الأمام وعن الهبوط الفكري الاجتماعي النابع من تحديد تفكير الشباب سواء عن طريق المنهاج المدرسي أو عن طريق تعليم طرق التلقين والحفظ والتقليد والانتحال والتقوقع في إطار فكري وثقافي محدد.
إن الحديث عن استقلالية الفكر والتنويع من مصادر الثقافة والعمل على خلق إنسان واعِ مدرك حاملِ رسالةً بضمير نابضِ وحيّ يعيش بكل مساعيه الدءوبة للتغيير ، لا يزال حديث تحت الركام يجهض بتعليم ذرائع الحفظ والبصم . لقد صار الطفل الناجح هو الطفل الذي يحمل كل صفات وأفكار والديه وصار الطفل الذي يرسم العصفور بلا أجنحة هو طفل فاشل يرسم الخربشة . وصار على الطفل أن يقرأ دروسه في المدرسة ويحفظها حتى إلى أن يمقت الدراسة ويصبح إنساناً لا يميز بين قراءة المنهاج والقراءة الخارجية. هذه النقطة الفاصلة الحاسمة يجب أن تحشو أصابعها في بطون كل المواضيع والأطروحات لان القراءة تعمل على خلق إنسانٍ جديد ذو فكر جديد قادر على بلورة آراءهِ ووجهات نظره ورسم أفقٍ واسع خاصّ به ولا يعمل وفق فكر تقليدي مطروق يجعل طموحه محدداً في تعلم الطب أو الهندسة أو المحاماة ثم يرى أن ذلك هو آخر درجة من درجات سلم الحياة .
هذا هو الإجهاض الحقيقي لتكوين وبلورة أفكار جديدة نيرة خلاقة ورسم تصور ذاتي عند الأجيال يدفعهم للعمل على التغيير وعلى الوعي والإدراك وإفلات اللجام لجماح الفكر الحر وعلى حمل مسؤوليات على كاهلهم وعلى تعويد أيديهم على العمل الجاد ، فالخائفون لا تقوى أيديهم الرّاعشة على البناء . تقول هيلين كيلر : " إما أن تكون الحياة مغامرة ، أو لا تكون شيئاً أبدا ".
حياة الغزالي رضي الله عنه أقوى مثال حي في هذا المضمار لقد كان الأئمة في عصره لا يتخطون عتبة الحمام في خطباتهم ودروسهم وفي أحكام قص الأظافر وتخليل اللحية ، فظهر الغزالي ليخلق نهضة وانقلاباً في تفكيرهم ويرسم للدين صورة اكبر وأوضح وأوسع نطاقا مما كان عليه في أنظارهم . لقد كان هؤلاء الأئمة يلقبون الغزالي بداية بالتافه المجنون الكافر ولكن بعد أن حقق الغزالي تلك النهضة السحرية صار اسمه حجة الإسلام .
أما قال الشاعر: أما ترى البحر تعلوه جيفته... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها.... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ؟!
إن أصابع الاتهام لن تتردد في الإشارة إلى التربية والتعليم والإرشاد وأولياء الأمور والمدرسين ! حقيقة على المربي أن يرتئي إلى ذرائع سلسة وإبداعية لان الإبداع لا يولد إلا من رحم الحرية ، ولنرمي الدكتاتورية جانبا إلى قارعة الطريق فإن خطأ المربي أو المعلم مثلا من الممكن أن يكون درسا رائعا لان يتعلم الطالب انه ليس هناك من إنسان هو عالم مطلق !
ويبقى الكلام هو كلام وهو لاشيء على أنقاض لا شيء، ولكن الفكرة من الممكن أن تصبح حركة " فيما بعد " من العفوية إلى التنظيم المحكم . يقول الله تعالى : " ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون (*)ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون(*) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون " (سورة يونس).
عند فضفضة الحقيقية ، نرى المدى القصير أو حتى المدى القاصِر الذي يحدّ من أبصار الأجيال الجديدة والذي ما زال يتضاءل حتى إلى أن يصل إلى أكنّة وغشاوة على طموح هذه الزهور اليانعة التي تُحرق بِأتون انحسار المسؤولية والقدرة والإرادة المستعر!
إن المجتمع الغارق في الطرب والسُّكر الاجتماعي والذي يعيش على سماع أصداء الأسماء تدوي بين كلمات المديح والثناء والذي يعيش على سليقة الإنسان قبل وصول الرسالات السماوية والذي يعيش على خارطة طريق محددة مقيدة لها بداية ونهاية مطروقتان ، وهو المجتمع ذو الأهداف السّفيفة والتافهة والمقتصر على طموحات هشّة والمتكئ على الجدران الواهية وهو المجتمع المُحتضِر والمجتمع الجحد القاحِل وهو المجتمع ذو الفكر المربّع والأحادي الاتجاه المفتقر إلى أهداف إنسانية والى الأفكار الحبالى بالرسائل السامية والى الأجيال المبدعة الخلاقة المرتقي إلى مصافي الشعوب المتحضرة وذلك ما حدا بالشاعر أن يقول : فتى لا يضم القلب همّات قلبه .... ولو ضمه قلب ما ضمه صدر .... وأيضا : فيحن ذلك لأرضه بتسفل ... ويحن ذلك لسمائه بتصعد .
وقال احدهم : القلوب جوالة ، فإما أن تدور حول العرش ، وإما أن تدور حول الحشّ .
ولما كان الضمير والمسؤولية والقدرة على إدراكهما محذوفة من سجل الأولويات مخلوطاً في انحسار الوعي الفردي ، هنا تتأتى أمراض جمّة خطيرة أولها هَوَس الطبقات الاجتماعية .. هذا الوباء الأبلَه المنتشر والذي يحث على استغلال الطاقات الفردية بهدف التسكّع على أرصفة الخيلاء والتلويح بقوائم أسماء الشخصيات ذوي المناصب الاجتماعية الرفيعة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . وهنا يـتأتى تحديد الخط الدرامي لمسألة التفكير الأحادي الاتجاه ، فمن هنا تنعدم المسؤولية والأمانة في العمل تنعدم ، والإخلاص والإتقان أيضا ، لان الهدف هو المنصب فقط وليس المسؤولية ، ناهيك عن مرض الـ "أنا " والذي ما زال يعمل على تحريك عجلة التشتت الاجتماعي والانزواء والعيش الفردي والانقسام اللامتناهي إلى الأمام وعن الهبوط الفكري الاجتماعي النابع من تحديد تفكير الشباب سواء عن طريق المنهاج المدرسي أو عن طريق تعليم طرق التلقين والحفظ والتقليد والانتحال والتقوقع في إطار فكري وثقافي محدد.
إن الحديث عن استقلالية الفكر والتنويع من مصادر الثقافة والعمل على خلق إنسان واعِ مدرك حاملِ رسالةً بضمير نابضِ وحيّ يعيش بكل مساعيه الدءوبة للتغيير ، لا يزال حديث تحت الركام يجهض بتعليم ذرائع الحفظ والبصم . لقد صار الطفل الناجح هو الطفل الذي يحمل كل صفات وأفكار والديه وصار الطفل الذي يرسم العصفور بلا أجنحة هو طفل فاشل يرسم الخربشة . وصار على الطفل أن يقرأ دروسه في المدرسة ويحفظها حتى إلى أن يمقت الدراسة ويصبح إنساناً لا يميز بين قراءة المنهاج والقراءة الخارجية. هذه النقطة الفاصلة الحاسمة يجب أن تحشو أصابعها في بطون كل المواضيع والأطروحات لان القراءة تعمل على خلق إنسانٍ جديد ذو فكر جديد قادر على بلورة آراءهِ ووجهات نظره ورسم أفقٍ واسع خاصّ به ولا يعمل وفق فكر تقليدي مطروق يجعل طموحه محدداً في تعلم الطب أو الهندسة أو المحاماة ثم يرى أن ذلك هو آخر درجة من درجات سلم الحياة .
هذا هو الإجهاض الحقيقي لتكوين وبلورة أفكار جديدة نيرة خلاقة ورسم تصور ذاتي عند الأجيال يدفعهم للعمل على التغيير وعلى الوعي والإدراك وإفلات اللجام لجماح الفكر الحر وعلى حمل مسؤوليات على كاهلهم وعلى تعويد أيديهم على العمل الجاد ، فالخائفون لا تقوى أيديهم الرّاعشة على البناء . تقول هيلين كيلر : " إما أن تكون الحياة مغامرة ، أو لا تكون شيئاً أبدا ".
حياة الغزالي رضي الله عنه أقوى مثال حي في هذا المضمار لقد كان الأئمة في عصره لا يتخطون عتبة الحمام في خطباتهم ودروسهم وفي أحكام قص الأظافر وتخليل اللحية ، فظهر الغزالي ليخلق نهضة وانقلاباً في تفكيرهم ويرسم للدين صورة اكبر وأوضح وأوسع نطاقا مما كان عليه في أنظارهم . لقد كان هؤلاء الأئمة يلقبون الغزالي بداية بالتافه المجنون الكافر ولكن بعد أن حقق الغزالي تلك النهضة السحرية صار اسمه حجة الإسلام .
أما قال الشاعر: أما ترى البحر تعلوه جيفته... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها.... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ؟!
إن أصابع الاتهام لن تتردد في الإشارة إلى التربية والتعليم والإرشاد وأولياء الأمور والمدرسين ! حقيقة على المربي أن يرتئي إلى ذرائع سلسة وإبداعية لان الإبداع لا يولد إلا من رحم الحرية ، ولنرمي الدكتاتورية جانبا إلى قارعة الطريق فإن خطأ المربي أو المعلم مثلا من الممكن أن يكون درسا رائعا لان يتعلم الطالب انه ليس هناك من إنسان هو عالم مطلق !
ويبقى الكلام هو كلام وهو لاشيء على أنقاض لا شيء، ولكن الفكرة من الممكن أن تصبح حركة " فيما بعد " من العفوية إلى التنظيم المحكم . يقول الله تعالى : " ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون (*)ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون(*) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون " (سورة يونس).
نُشِرَت في موقع : قضايا جَت : http://www.qadayaj.org/Default.asp?ID=55
بتاريخ : 2008-12-11
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق